تصميم المواقع والمتاجر الإلكترونية للشركات الصغيرة في سوريا: الواقع المحلي والمقارنة الإقليمية

سماح بكري

سماح بكري

كاتبة تقنية

10 مارس، 2024
التحول الرقمي وتصميم المواقع

تشهد سوريا اليوم اهتمامًا متزايدًا بتصميم المواقع الإلكترونية وإنشاء المتاجر الرقمية بين رواد الأعمال والشركات الصغيرة، رغم ما يعترضها من تحديات. فوفقًا لبيانات موقع Aftership المتخصص بالتجارة الإلكترونية، بلغ عدد المتاجر الإلكترونية في سوريا عام 2025 نحو 146 متجرًا فقط، وهو رقم متواضع يعكس بداية المشوار الرقمي في بلد عانى من سنوات الحرب. ورغم أن إطلاق هذه المتاجر كان لفترة طويلة غير مرخّص رسميًا، فقد تسللت التجارة الإلكترونية إلى السوق السورية مدفوعة بظروف الضائقة المعيشية وارتفاع البطالة، مما دفع الكثيرين – خاصة من فئة الشباب وربّات المنازل – لبدء مشاريع بيع عبر الإنترنت كمصدر دخل. هذا الواقع أفرز نموذجين من المنصّات: الأول يعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي والتسويق بالعمولة بموارد محدودة، والثاني بدأ يظهر مؤخرًا بدعم من تجار أكبر وانفتاح الأسواق على بضائع أجنبية (مثل منتجات منصة Shein الصينية). وعلى الرغم من حداثة التجربة، فإنها كشفت عن شغف لدى المستهلك السوري بالشراء الإلكتروني وتنوع المنتجات، قابلته عوائق ثقة وبنية تحتية أبرزها غياب التشريعات وضعف نظم الدفع الإلكتروني.

واقع المتاجر الإلكترونية في سوريا
وتحدياتها

لا تزال البنية التحتية الرقمية في سوريا متواضعة بعد الحرب، مما ينعكس مباشرةً على قدرة الشركات الصغيرة في بناء حضور إلكتروني فعّال. نسبة انتشار الإنترنت تُقدَّر بحوالي 35.8٪ فقط من السكان، مع سرعات اتصال منخفضة (متوسط 4 ميغابت/ثا للخط الثابت). هذا الانتشار المحدود يعني أن جمهور التجارة الإلكترونية المحلي ما زال صغيرًا نسبيًا، وأن كثيرًا من الشركات الصغيرة تجد جمهورها الأساسي عبر منصات التواصل الاجتماعي بدلًا من مواقع مستقلة. بالفعل، أضحت صفحات فيسبوك وإنستغرام سوقًا رقمية موازية في سوريا ولبنان على حد سواء، حيث يسوّق رواد الأعمال منتجاتهم مباشرة دون تكاليف إنشاء موقع ويب. هذه المرونة مكّنت العديد من الأعمال المنزلية والمتناهية الصغر من الانطلاق، لكنها صاحبتها منافسة شرسة ومخاوف تتعلق بجودة المنتجات وموثوقية البائعين. إضافة إلى ذلك، يواجه الشراء عبر الإنترنت في سوريا عقبات لوجستية كبيرة؛ فمع غياب بوابات دفع محلية موثوقة، يعتمد معظم التعامل على الدفع النقدي عند التسليم أو عبر وسطاء يطلبون تحويلات مسبقة، مما يضعف ثقة المستهلك ويحدّ من انتشار التجارة الرقمية. ورغم هذه الصعوبات، تُظهر تجربة السنوات الأخيرة أن السوق السورية باتت تتقبل فكرة التسوق الإلكتروني تدريجيًا. فالشباب الذين اعتادوا شراء الملابس والإلكترونيات عبر الإنترنت – حتى لو تطلّب الأمر انتظار الشحن أسابيع – أسهموا في نشر ثقافة جديدة للشراء. ويمكن القول إن غياب التشريعات الناظمة لم يمنع التجارة الإلكترونية من النمو بشكل عفوي، لكنه يُبقي هذا النمو محدودًا ومصحوبًا بمخاطر تتعلّق بحقوق المستهلك والبائع على حد سواء.

من جهة أخرى، برزت مبادرات محلية وإقليمية لسد بعض الفجوات. في لبنان المجاور – الذي يشترك مع سوريا في معاناة البنية التحتية وضعف الثقة بالمنصات – قامت مؤسسات مصرفية بتقديم حلول تيسّر دخول الشركات الصغيرة عالم البيع الإلكتروني. فعلى سبيل المثال، أطلق بنك بيروت منصة للتجارة الإلكترونية تتيح للتجار إنشاء متجرهم الرقمي بسهولة وقبول المدفوعات بالبطاقات محليًا وخارجيًا مباشرة في حساباتهم. هذه المنصة جذبت عددًا كبيرًا من الشركات الناشئة والجمعيات الخيرية في لبنان خلال أزمة كورونا، مما مكّنها من تحصيل إيراداتها بشكل آمن ومدروس دون حاجة لخبرة تقنية عالية. مثل هذه الحلول تؤكد أن الابتكار المالي يمكن أن يدعم المشاريع الصغيرة في بيئات صعبة كتلك التي يمر بها البلدان. في سوريا، لا تزال البدائل المصرفية المحلية محدودة جدًا، لكن التجربة اللبنانية قد تحمل دروسًا مهمة: فتبني وسائل دفع إلكترونية بسيطة وآمنة – بالتعاون مع القطاع المصرفي أو شركات التكنولوجيا المالية – قد يرفع من مستويات الثقة بالتجارة الإلكترونية ويشجّع مزيدًا من الشركات الصغيرة على تصميم مواقع خاصة بها بدل الاعتماد الحصري على منصات التواصل.

المقارنة مع السعودية ولبنان:
أين تقف سوريا؟

عند مقارنة المشهد السوري بنظيريه في السعودية ولبنان، تبرز تباينات حادة توضح مدى تأثير البيئة الاقتصادية والتنظيمية. السعودية تمثّل قصة نجاح إقليمية في تبنّي التجارة الإلكترونية على نطاق واسع؛ فقد بلغت قيمة سوق التجارة الإلكترونية السعودية حوالي 16.75 مليار دولار عام 2023، مع معدلات نمو سنوي تقارب 18%. هذا الانتعاش يعود لدعم حكومي واضح وترسانة من المبادرات ضمن رؤية 2030 لتطوير الاقتصاد الرقمي. على سبيل المثال، أطلقت المملكة في 2025 مبادرة عبر مجلس التجارة الإلكترونية السعودي لتقديم 650 متجرًا إلكترونيًا مجانيًا للشركات الصغيرة جدًا والصغيرة، وذلك بهدف تحفيزها على دخول عالم التجارة الرقمية وخفض العوائق التقنية والمالية أمامها. المبادرة – بالتعاون مع شركة برمجيات إيطالية – تشترط فقط أن تكون المنشأة سعودية وصغيرة ولا تملك متجرًا مسبقًا. هذه الخطوات تظهر كيف تمكنت السعودية من دمج الشركات الناشئة في التحول الرقمي وجعلت التجارة الإلكترونية جزءًا أساسيًا حتى لأصغر الأعمال التجارية.

أما لبنان، فرغم امتلاكه كوادر بشرية متمرسة رقميًا وارتفاع معدل استخدام الإنترنت، فإن أزمته الاقتصادية الأخيرة أعاقت تطور التجارة الإلكترونية المؤسسية. تشير التقديرات إلى أن حجم سوق التجارة الإلكترونية اللبناني لم يتجاوز 60 مليون دولار عام 2023، وهو رقم متواضع جدًا يعكس تراجع القوة الشرائية وضعف الاستثمار في هذا المجال. لقد شهد لبنان طفرة مؤقتة في التسوق أونلاين إبان جائحة كورونا 2020 وما تلاها، حيث دفعت الحاجة الكثير من الشباب لإطلاق مشاريع بيع عبر الإنترنت كرد فعل على الانهيار الاقتصادي والبطالة. لكن هذه الطفرة اعتمدت بشكل شبه حصري على منصات التواصل الاجتماعي وخدمة الدفع عند الاستلام، في ظل غياب بنية قانونية وتنظيمية لتنظيم التجارة الإلكترونية. لذا تبقى التجربة اللبنانية مزدوجة الوجه: فمن جهة، أثبتت أن الشركات الصغيرة يمكنها التأقلم سريعًا مع الواقع عبر التحول إلى البيع الرقمي كخيار للبقاء، ومن جهة أخرى أبرزت الحاجة الملحّة إلى دعم حكومي لتحسين البنية التحتية (كشبكات الإنترنت والخدمات اللوجستية) وسن قوانين تحمي المستهلك وتنظم السوق. بدون ذلك الدعم، تظل التجارة الإلكترونية خيارًا جذابًا محفوفًا بالمصاعب، وهو ما يشابه وضع سوريا حاليًا إلى حد بعيد.

في المحصّلة، يتضح أن الشركات السورية الصغيرة تقف أمام مفترق طرق رقمي. فمن جهة، لديها مثال السعودية المزدهر حيث الدفع الإلكتروني منتشر والبنية متكاملة مما يسمح لأي متجر ناشئ بالوصول لشريحة واسعة محليًا وخارجيًا. ومن جهة أخرى، ترى في لبنان صورة أقرب لواقعها، حيث المبادرات الفردية والشبابية قادت النمو الرقمي وسط ضعف الدعم الرسمي. إن سد الفجوة يتطلب إجراءات متعددة المستويات في سوريا: تطوير خدمات الدفع والتوصيل محليًا، تحديث الأطر القانونية لحماية التعاملات الإلكترونية، ونشر ثقافة الثقة بالتسوق عبر الإنترنت لدى الجمهور. ومع رفع العقوبات الاقتصادية نسبيًا مؤخراً وعودة بعض الانفتاح التجاري، لدى سوريا فرصة للاستفادة من التجارب الإقليمية وتجنب أخطاء الآخرين. في نهاية المطاف، لا يُعد تصميم موقع إلكتروني أو متجر رقمي مجرد ترف تكنولوجي للشركة الصغيرة السورية، بل قد يغدو طوق نجاة يوسع أسواقها خارج الحدود المحلية الضيقة ويمنحها القدرة على المنافسة في عصر الاقتصاد الرقمي المتسارع.

المراجع

سماح بكري

سماح بكري

كاتبة تقنية

كاتبة تقنية متخصصة في مجال التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، تساهم في نشر الوعي حول أهمية التكنولوجيا في تطوير الأعمال السورية.